السيطرة على العقل ليست حدثاً عابراً ، وإنما هي معركة حقيقية ، وعلى درجة
كبيرة من الخطورة ، الخسائر فيها قد تكون فادحة ، كما أن المكاسب عظيمة
وغير محدودة . وترويض العقل هو بمثابة إخضاع لإمبراطورية مترامية الأطراف ،
مليئة بالمناوئين والمنافسين ، والصراعات فيها على أشدها . لذلك فإخضاعها
ليس سهلاً بأي حال من الأحوال لكنه مطلوب بشدة ، لأن عقلاً واحداً قد يُصلح
الكون كله بينما قد يهدمه عقل آخر ، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة .
ولعل
من أفضل ما تعلمت من وسائل لترويض العقل ، هو ما يعرف بالتنويم الذاتي
أوSelf-Hypnosis وهذا التنويم ليس كما تصوره لنا السينما بسذاجة . فما
رأيته في كل أفلام السينما هو ضرب من ضروب التجوال الليلي لا التنويم
الذاتي أو المغناطيسي . فما أشاعته السينما يُسَطِح هذا العلم الذي له
أصوله وآلياته ومناهجه ، ذلك أن التنويم الذاتي هو صنعة العظماء ، فبفضله
يمكن لإنسان أن يجعل من نفسه شخصاً آخر ، مغاير لحالته الغارقة في
الانهزامية والضعف وسوء التصرف والسلوك فهو يضمن استرخاء العقل وتنقيته مما
يشتت انتباهه وتركيزه.
وثمة
تقنيات لممارسة التنويم الذاتي سأطرحها سريعاً :
* اختر مكاناً هادئاً تماماً وبعيداً عن
أي إزعاجات .
* حدد لنفسك الوقت الذي
سوف تستغرقه العملية وليكن 20 دقيقة مثلاً .
* حدد لنفسك الغرض من
هذه العملية كأن تقول : هدفي منها كذا وكذا .
* حدد لنفسك الحالة التي
تريد أن تصبح عليها عند انتهاء العملية ، كأن تقول : عندما أنتهي من
التنويم الذاتي سأكون أكثر تفاؤلاً ونشاطاً .
* والآن ابدأ الممارسة . وهي تنقسم إلى ممارسة خارجية وأخرى
داخلية : أما الخارجية فلها ثلاث حالات أساسية :
ـ
الحالة الأولى : ركز مع نظامك البصري بحيث تنظر أمامك مباشرة وبتركيز إلى
ثلاثة أشياء فقط معاًَ ، ويفضل أن تكون تلك الأشياء صغيرة الحجم ، كأن تكون
نقطة على الحائط أو مقبض الباب أو زاويــة لوحـــــة . تقدم بـــــنظرك
نحو ما تراه ببطء .. وتوقف بنظرك عند كل منها للحظة . بعض المعالجين يفضل
أن يُحَدِث الممارس ذاته بما يرى .
ـ الحالة الثانية : الآن ركز مع نظامك السمعي ، بحيث تركز
تماماً في ثلاثة أصوات تسمعها في تلك اللحظات ، كأن يكون صوت جهاز التكييف ،
وزقزقة عصفور ، وبندول الساعة .
ـ الحالة الثالثة : انتقل الآن إلى شعورك ، وحاول أن تتحسس
ثلاثة أشياء في نفس الوقت كأن تكون ثقل نظارتك أو ثقل ساعتك أو طبيعة نسيج
ملابسك . واصل الانتقال من حالة إلى أخرى ومن إحساس إلى آخر بصفة مستمرة .
أما الممارسة
الداخلية ، فتتم هكذا :
ـ أغلق عينيك بهدوء ، واجلب
إحدى الصور إلى ذهنك ولكن لا تبذل في ذك جهداً كبيراً . ولتكن صورة لشاطئ
جميل أو منظر طبيعي أو وجبة شهية .. إلخ يمكنك حتى أن تُرَكِّبَ صورة غير
موجودة . وإذا لم ترد على ذهنك صورة معينة اختر ما تشاء . حاول أن تلتقط
صوتاً ، وإن لم تجد فلتختلقه .
ـ
تذكر أن الفكرة من هذا التمرين هي أن تدرك الأشياء لا أن تدعها تأتيك
وحدها . واستخدم خيالك كأن تقول لنفسك : أنا أشعر الآن بنسيم عليل ، ولمسات
هواء معطر تتسلل إلى أنفي . كرر هذه العملية مع شيئين ثم صوتين ، ثم
شعورين ثم صورتين ، ثم كررها مع ثلاثة أشياء . وهكذا . إذا انتهيت من تلك
العمليات قبل الوقت المحدد ، زد عدد الأشياء والأصوات والمشاعر والصور إلى
أربعة لكل منها ، وتأكد أن عقلك الباطن سيعمل في خدمتك فلا تنزعج .
هذه العملية ليست سهلة بالتأكيد ولا يجب
أن نمارسها باستهتار ، بل يجب أن نعيشها بكل جوارحنا وحواسنا ، لأنها إن
تمت كما ينبغي ، قد تساعدك على إنجاز الكثير من الأهداف كأن تقلع عن
التدخين أو تخفف عن نفسك الضغط العصبي ، أو تزيد ثقتك بنفسك أو تحسن من
قدرتك على اتخاذ القرارات ... إلخ . وبمجرد أن تتعلم كيف تمارس هذه العملية
ستصبح المسألة أسهل على العقل .
يقول