وحدي هناك في ليل بلا قمر
صمت رهيب ليس يقطعه سوى زخات المطر
وحدي على مقعدٍ خشبي أنتظر
أراقب أشباحاً ترتدي أقنعة البشر
تغدو تروح مسرعةً بلا سبب
ماذا دهاهم في هذا الليل البهيم؟!
أيهاجرون جميعهم تاركين كل شيءٍ خلفهم ؟!
أم ينتظرون أن يعود مهاجرون ؟!
وجوههم وكأنما قوالب صُبّت من حديد
حزينٌ جامدٌ ساهمٌ أو مبتسم
كلهم أشباحٌ أنهكها التعب
كلهم على رصيف باردٍ لقطارٍ لم يصل
وحدي كل ليلة هنا أنتظر
وساعة بلهاء تدق كل يوم برنين ضجِر
تذكرني بأن الليل قد انتصف
وأني مازلت أحدق في الوجوه وفي النجوم
تذكرني بأني هنا تحت المطر
أنتظر وأنتظر
وهنا أمامي على قضبان القطار
ألقيت بالأمل علّه ينتحر
تحت عجلات قطار بللها المطر
فلقد سئمته يحملني في صبرٍ كل ليله إلى نفس المكان
يُذكرني بأن الطيور اذا هاجرت تعود
بأن الحقائب المنزوية تحت أكداس الغبار هنا تنتظر
طيورا هاجرت وستعود حتما مهما طال بها الأمد
وأن هناك في أعماقي شيئا يدفعني
يدفعني أن أنتظر
أن أجلس تحت المطر
في الشتاء لأراقب الليل بلا قمر
وتنطلق صافرة القطار
ومعها رجفة باردة تهز كل الواقفين
هاقد وصل القطار
لتطل وجوه الراكبين
متجهمين متثائبين أو منتشين
وجوه غرباء لاشيء يجمعهم سوى قطار
يمضي أُناسٌ يلتقون بآخرين فرحين
وآخرون يغادرون صامتين
عيناي تعانق طيفاً لم يحمله القطار من جديد
تعانق طيف طائر مبتسم بشوق لم يعد بعد
وتنطلق عواصف الذكريات من جديد
متى سيحمله قطار الليل هذا معه؟!
متى سيشعر بأن هناك مقعد سئم انتظاري ؟!
متى ستخبره النجوم أنها ملّت تحديقي!!
متى سيحمل لي المطر عطره معه ؟!
متى ستعود الطيور ؟!
يختفي الطيف سريعا حين تنطلق صافرة القطار
معلنةً أنه حان موعد الرحيل من جديد
فقد طلع الصباح
والشمس تلتهم بقايا المطر
والأمل مازال هنا لم ينتحر
وأغادر محطة القطار لأعود من جديد أنتظر