الرسول في موسم الحج
--------------------------------------------------------------------------------
جاء موسم الحج في السنة العاشرة من البعثة ، فاجتمعت القبائل من كل مكان و بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم قائلا : ( يا أيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، و تملكوا بها العرب ، و تذل لكم العجم ، و إذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة ) _ [ الطبراني و ابن سعد ] و وجد الرسول صلى الله عليه و سلم ستة رجال من ( يثرب ) يتحدثون ، فاقترب منهم ، و قال لهم : ( من أنتم ؟ )
قالوا : نفر من الخزرج .
قال : أمن موالى يهود ( أي من حلفائهم ) ؟
قالوا : نعم .
قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟. قالوا : بلى .
فجلس معهم و حدثهم عن الإسلام ، و تلا عليهم القرآن ، فانشرحت له صدورهم ، و ظهرت علامات القبول على وجوههم ، و كانت بينهم و بين اليهود عداوة ، فكان اليهود يهددونهم بظهور نبي ، و سوف يؤيدونه و يقاتلونهم معه ، فلما سمعوا كلام الرسول صلى الله عليه و سلم نظر بعضهم لبعض وقالوا : تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه .. فأجابوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما دعاهم إليه ، و وعدوه بأن يقابلوه في العام المقبل ، ثم انصرفوا إلى قومهم و حدثوهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فانتشرت أخباره في يثرب . _[ابن إسحاق].
بيعة العقبة الاولى :
و في شهر ذي الحجة سنة احدى عشرة من البعثة ، قدم إلى مكة اثنا عشر رجلا من أهل يثرب من بينهم خمسة من الستة الذين كلموا الرسول صلى الله عليه وسلم في العام الماضي ، و اجتمع معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان اسمه العقبة؛ فآمنوا به صلى الله عليه وسلم، وبايعوه على ألا يشركوا بالله شيئا ، و لا يسرقوا ، و لا يرتكبوا الفواحش والمنكرات، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يعصوه صلى الله عليه وسلم في معروف يأمرهم به.
وكانت هذه هي بيعة العقبة الأولى، وعندما عادوا إلى يثرب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ليعلمهم أمور الدين ويقرأ عليهم القرآن، فأسلم على يديه كثير من أهل يثرب.
بيعة العقبة الثانية :
و في شهر ذي الحجة من العام الثاني عشر من البعثة ، ذهب ثلاثة و سبعون رجلا وامرأتان من أهل يثرب إلى الحج، ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة تسلل الرجال والمرأتان وذهبوا إلى العقبة، وجاء إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب، ولم يكن قد آمن وقتئذ، ولكنه جاء ليطمئن على اتفاق ابن أخيه مع أهل يثرب، وليبين لهم أنه قادر على حمايته في مكة إن لم يكونوا قادرين على حمايته في المدينة.
وتمت بيعة العقبة الثانية، وفيها عاهد الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وقال لهم : (تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط و الكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم
ولكم الجنة) _[أحمد].
وأصبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتباع أقوياء مستعدون لنصرته، والقتال من أجل الإسلام، حتى إن أحدهم وهو العباس بن عبادة -رضي الله عنه- قام وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا ما يأمره الله به، فقال له : (لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم)
[ابن إسحاق] واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر رجلا؛ ليكونوا أمراء عليهم حتى يهاجر إليهم.
وفي الصباح، تسلل الخبر إلى كفار قريش ، فاكتشفوا أمر ذلك الاجتماع الخطير ، وخرجت قريش تطلب المسلمين من أهل يثرب فأدركوا (سعد بن عبادة) وأسروه وأخذوا يعذبونه ويَجُرُّونه حتى أدخلوه مكة، وكان سعد يجير ويحمي
تجارة اثنين من كبار مكة إذا مرا ببلده، وهما جبير بن مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية، فنادى باسميهما فجاءا وخلصاه من ايدي المشركين ، وعاد سعد بن عبادة -رضي الله عنه- إلى يثرب.